/ الفَائِدَةُ : ( 4 ) /
05/06/2025
/ الفَائِدَةُ : ( 4 ) / بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الْفِكْرُ في مَدْرَسَةِ النَّصِّ أَكثر جولاناً / إِنَّه وإِن زعم بعض : أَنَّ مَدْرَسَةَ الرأي في الفقه والعرفان والفلسفة والكلام والتَّفسير والقانون أَكثر جولاناً في الْفِكْرِ من مَدْرَسَةِ النَّصِّ ، لكن واقع الأَمر على النقيض من ذلك تماماً ؛ فإِنَّ مسار الْفَهْمِ في مَدْرَسَةِ النَّصِّ ـ وإِنْ كانت مَادَّته وحيانيَّة لكنَّه ـ بفِطْنَةٍ وتدبُّرٍ وتمعُّنٍ ، كما حَثَّت على ذلك بيانـات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ](1)(2). فـ : (التلاوة) ـ المُشار إِليها في بيان قوله تقدَّس ذكره : [ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ] ـ : إِشَارَة إِلى الْعِلْمِ النَّقلي الحسِّي ، وهو مُقدِّمة . وضرورة (التَّعَلُّم) ـ الـمُشار إِليها في بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَيُعَلِّمُهُمُ](3) ـ : إِشَارَة إِلى الفهم العقلي لموارد الوحي ؛ لتحصيل الْعِلْم واليقين والبرهان الوحياني ، وهو ذو المُقدِّمة والغاية الأَسْمَىٰ ، الَّذي هو فحوىٰ مفاد المُعجزة . فانظر : بيان قوله عزَّ قوله : [وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ](4)(5). ودلالته واضحة على أَنَّ المعاجز ـ كمعجزة القرآن الكريم ، وهي الأَعظم ـ ، بل والكرامات الإِلٰهيَّة تُورِث لِـمَنْ تأَثَّر بها : الْعِلْم واليقين والبرهان الوحياني . وبالجملة : أَحد تعاريف المُعجزة : أَنَّها عبارة عن بزوغ وبروز لمعان أَشعَّة أَنوار غيبيَّة مهولة ـ إِمَّا في القُدرة ، أَو في آيةِ كمالٍ غيبيٍّ رهيبٍ ـ تنتشل بسرعة مَنْ يرىٰ من خلالها لمعان أَنوارِ غيبٍ عظيمةٍ ، ومن ثَمَّ تحصل له حالة إِخبات دفعيّ قهريّ ، تتضعضع له أَعماق ذاته وكافَّة قواه ؛ فيسجد لباعثها تذلُّلاً ، كما حصل ذلك لسحرة بني إِسرائيل . فانظر : بيان قوله تعالىٰ : [فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ](6). وهذه نفس فائدة البرهان ؛ فإِنَّه يُخرج الطرف من ساحة الْفِكْرِ إِلى تجلِّيات في الْفِطْرَةِ ، فإِذا شاهد العظمة خبت . إِذَنْ : المعجزة الإِلٰهيَّة خطاب إِلهيّ مباشر ؛ ومن دون واسطة من اللّٰـه عَزَّ وَجَلَّ مع خلقه . 2ـ بيان قوله جلَّ قوله : [وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ](7)(8) . فـ : (النفر) : إِشَارَة إِلى مرحلة الرُّواية ؛ والنقل الحسِّيّ ؛ وهو مُقدِّمة . و (التَّفقُّه) ـ المُشار إِليه في بيان قوله جلَّ قوله : [لِيَتَفَقَّهُوا] ـ وهو : الفهم(9) : إِشَارَة إِلى الفهم العقلي لمضامين متون بيانات الوحي في المرحلة الثانية ، وهو : ذو المُقدِّمة ؛ والغاية الأَسْمَىٰ ؛ المُشار إِليها بلام الغاية : [لِيَتَفَقَّهُوا] (10) . 3ـ بيان قوله جلَّ جلاله : [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا] (11). وتقريب الدلالة واضح ؛ فإِنَّه مع عدم تماميَّة السَّند ونسبة الصُّدور ـ إِذ بحسب ما فرضه بيان الآية الكريمة أَنَّه خبر فاسق ـ ، ومع عدم صحَّة طرحه ، أَو الأَخذ به بعماية هناك مسلك ثالث أَوصىٰ به بيان الآية الكريمة وأَوجبه ، وهو : (فحص المتن والمضمون ، والتَّبيُّن منه) . وهذه التَّوصية الوحيانيَّة دالَّة على أَنَّ الأَساس والعُمدة والرُّكن الرَّكين في حُجِّيَّة الخبر والأَخذ والعمل به هو : (تبيُّن المتن والمضمون) . نعم ، السَّند المُعتبر معاضد لحُجِّيَّة الخبر ، لكنَّ الرُّكن الرَّكين والعُمدة فيها هو : (حُجِّيَّة المتن والمضمون) . 4ـ بيان قوله جلَّ وعلا : [فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ](12). ودلالته واضحة ؛ فإِنَّ مضمونه نفس مضمون بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « خُذِ الحِكْمَة مِمَّن أَتاك بها ، وانظر إِلى ما قال ، ولا تنظر إِلى مَنْ قال »(13)؛ فإِنَّ الأَساس ينبغي أَنْ يكون النَّظر إِلى المتن والمضمون . 5ـ بيان قوله علا ذكره : [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ] (14) . فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ أَيضاً على أَنَّ المركز وقطب مرجعيَّة الفقيه والباحث والمُستنبِط وطالب الحقيقة ينبغي أَنْ يكون نظره إِلى المتن والمضمون ؛ فإِنَّ المُحكمات صارت كذلك ليس من جهة سندها وصدورها ، وإِنَّما من جهة متنها ومضمونها . وهذا البيان الوحيانيُّ من البيانات والبراهين القرآنيَّة العظيمة المُبيِّنة لهذا المنهج المعرفيّ الخطير والدالَّة عليه . 6ـ بيان خطبة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « نضّر اللّٰـه عبداً سمع مقالتي فوعاها ؛ وبَلَّغها مَنْ لم يسمعها ، فكم من حامل فقه غير فقيه ، وكم من حامل فقه إِلى من هو أَفقه منه ... »(15). ودلالته قد اِتَّضَحَتْ أَيْضاً . / شمول عنوان : (الفقه) لمطلق العلوم / ثُمَّ إِنَّه يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات : أَنَّ عنوان (الفقه) باصطلاح عِلْمِ الحديث ليس مـختص بفقه الفروع ، بل شامل لمطلق فهم علوم الدِّين . وعليه : يكون ما ذكره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في هذا البيان الشريف دعوة إلى دوام مسيرة الفهم والتَّدقيق والتَّحقيق في مطلق العلوم ، ودعوة أيضاً للأَجيال اللَّاحقة بأَنْ لا يستمعوا ويصغوا حرفيَّاً إلى كل ما قاله الرعيل الأَوَّل من الصحابة والعلماء ؛ لاحتمال أَنَّهم لم يلتفتوا ويتفطَّنوا ويتفقَّهوا في مضامين بيانات الوحي ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي لطلاب الحقيقة أَن ينبروا ويتفطَّنوا ويتفقَّهوا أَكثر ؛ فإِنَّ معاني وحقائق بيانات الوحي بحر لا ينزف أَبَدًا . 7ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « همَّة السفهاء الرواية ، وهمَّة العلماء الدراية »(16). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ؛ فإِنَّ المراد من عنوان : (السُّفهاء) المأخوذ في هذا البيان الإِلٰهيّ الشَّريف : مَنْ يتعامل مع بيانات الوحي بسطحيَّة وعدم رشد ، وعدم غور ، فيقتصر على صدور الرُّواية وأَلفاظها حَسْبُ . 8 ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : « عليكم بالدرايات لا بالروايات »(17). 9ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : « اعقلوا الخبر إِذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ؛ فإنَّ رواة الْعِلْم كثير ورعاته قليل »(18). 10ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : « ... وترككَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه ، إِنَّ على كُلِّ حَقٍّ حقيقة ، وعلى كُلِّ صوابٍ نوراً ، فما وافق كتاب اللّٰـه فخذوا به وما خالف كتاب اللّٰـه فدعوه »(19). 11ـ بيان الإِمام الباقر مُخاطباً ولده الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما : « يا بُنَيَّ ، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ؛ فإنَّ المعرفة هي الدراية للرُّواية ، وبالدرايات للرُّوايات يعلو المؤمن إِلى أَقصى درجات الإِيمان ، إِنِّي نظرتُ في كتابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام فوجدتُ في الكتاب : أَنَّ قيمة كُلّ امرئٍ وقدره معرفته ، إِنَّ اللّٰـه تبارك وتعالىٰ يُحاسب النَّاس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدُّنيا »(20). 12ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « رواة الكتاب كثير ، ورعاته قليل ، فكم من مستنصحٍ للحديث مستغش للكتاب ، والعلماءُ تحزنهم الدراية ، والجهَّال تحزنهم الرواية »(21). 13ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : « حديث تدريه خير من أَلفٍ ترويه ، ولا يكون الرَّجُل منكم فقيهاً حتَّىٰ يعرف معاريض كلامنا ... »(22). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة على ضرورة الدراية بمتن ومضمون الرُّواية ، وعدم صحَّة واعتبار وحُجِّيَّة منهج الْاِقْتِصَار على مُجَرَّد الرُّواية . إِذنْ : مَدْرَسَة النَّصِّ تعني : تَدَبُّر ، وتذكُّر ، وتفطُّن ، وتفقُّه ، ومَدْرَسَة إِجالة الفكر ، ووعاية وفهم نصوص الوحي ومَادَّته ، فهي مَدْرَسَة فهم وفِطْنَة للمَادَّة الوحيانيَّة ، ولأُفق معارف الوحي واستنطاقها من خلال استنتاج واستخراج البراهين منها ، لكن لا من باب التَّعبُّد الإِجمالي ـ فإِنَّ هذه مرتبة نازلة من التَّعبُّد ـ ، بل من خلال رحابة في التَّأمُّل والتَّفكُّر والتَّدبُّر غير المحدود . وهذا بخلاف مَدْرَسَة الرأي ؛ فإِنَّها اِنْحِبَاسِيَّة وتـدور مدار النِّتاج البشري ، فإِنَّ النتاج البشري وان كان يُكْتَرَث به ـ بل حَثَّت على ذلك بيانات الوحي ، منها : أَوَّلاً : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « من استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الخطاء » (25) . ثَانِياً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : « من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها» (26) . ثَالِثاً : بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْضاً : «الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه » (27) ـ لكنَّه لا يَنْبَغِي أَنْ يُعكف عليه ، بل لابُدَّ أن يُتَخَطَّى ويُتَجاوز إلى آفـاق أَرحـب وأَوسع منه ، وذلك الافق الواسع هو الوحي ، فإِنَّ العلوم البشريَّة يتعلَّمها الإِنسان في بدايات أَمره كعلوم آلية ينطلق منها إلى فضاء وسماء رحاب الـوحي غير المتناهية . فانظر : 1 ـ بيان قوله (جَلَّ قوله ) : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](28) . 2 ـ بيان قوله(عَزَّ قوله) : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](29) . فحقيقة الوَحْي الْإِلَهِيّ ليست أَهازيج صوتيَّة وعلم تجويد وإِنما هي درجة تمهيديَّة للانطلاق إلى بحوره غير المتناهية . لكن المشكلة تكمن في المتلقي لهذا الوحي . فلاحظ : أَوَّلاً : بيان قوله (جَلَّ وَتَقَدَّسَ) : [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا](30) . ثَانِياً : بيان قوله (جَلَّ اسمُهُ ) : [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ](31). وعصارة القول : أَنَّ الفارق بين نتاج الوحي والنتاج البشري : أَنَّ الأَوَّل غيب مطلق ، والقرآن الكريم والسُّـنَّة الشَّريفة مواد وحيانيَّة لا منتهى لهما لإِستكشافه ، بخلاف الثاني ؛ فإِنَّه ضيِّق الوسع والأُفق بضيق مُكْنَة وقُدْرَة البشر وطاقته . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجمعة : 2 . (2)يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات : أَنَّه يجب على مَنْ يُريد استيضاح بيانات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ المُفسِّرة لآية من آيات القرآن الكريم أَنْ لا يخدعه الفحص بمراجعة تفسير أَو تفسيرين ، بل عليه التَّيقُّظ والتَّفطُّن إِلى موارد وجود هذه الآية بأَلفاظها أَو بما يُقارب أَلفاظها ومعانيها في بيانات الوحي الأُخرىٰ ، وعليه أَيضاً أَنْ لا يُراجع مصدراً واحداً من مصادر التَّفسير ، بل عِدَّة مصادر . وبالجملة : بابُ الفحص والتَّنقيب الْعِلْمِيّ بابٌ واسعٌ وشاسعٌ جِدّاً ، ومن ثَمَّ لا ينخدع الباحث بدرجةٍ من الفحص والتنقيب ، ولا بدرجةٍ من التَّفكير والتَّأمُّل ، وإِذا ظَنَّ أَن ما توصَّل إِليه هو الذروة ورأس الهرم فليعلم أَنَّه أَرتطم بغفلةٍ شنيعةٍ وجهالةٍ كبيرةٍ ؛ فإِنَّ ما توصَّل إِليه بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة لا بُدَّ أَنْ يكون متناهياً ومحدوداً ، ومعاني وحقائق بيانات الوحي غير متناهية وغير محدودة أَبداً بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة أَيضاً ، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين المحدود وغير المحدود ؛ فإِنَّه دائماً إِذا قيس المحدود إِلى غير المحدود كان لا شيء وصفراً على جهة الشِّمال ، وإِلَّا لانقلبت ماهيَّة غير المحدود وكانت متناهية ، وبطلان انقلاب الماهيَّة من الواضحات ، بل هو خُلف الفرض . (3) الطريقة التعليميَّة السَّارية عليها بيانات الوحي في إِيصال المعلومة للطرف هي : التَّدرُّج في التَّعليم وعلى مراحل . (4) القصص: 31 ـ 32. (5) لَا بَأْسَ بالْاِلْتِفَات : أَنَّه لا توجد لقطة في القرآن الكريم إِلَّا وتصبّ في ذكر اللّٰـه (تقدَّس ذكره) وخشيته وخشوعه . (6) الشعراء : 41 ـ 51 . (7) التوبة : 122 . (8) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ القرآن الكريم هو : دستور اللّٰـه الخالد ، لكنَّ دستوريَّته وخلوده ومُؤدَّاه وفائدته وخطره وعلومه وعقائده ومعارفه لا تختصُّ في هذه النَّشأَة الأَرضيَّة ، ولا يُخَاطَب به الجنّ والإِنس فحسب ، بل شاملة لجملة العوالم وكافَّة المخلوقات غير المتناهية ؛ لأَنَّه من الدِّين ، وهو شَامِلٌ للجميع ، ومِنْ ثَمَّ خطاباته الواردة بلسان : «يا أَيُّها الَّذين آمنوا» وما شاكلها شاملةٌ لكافَّة المؤمنين من جميع المخلوقات غير المتناهية ، منهم : جملة الملائكة عليهم السلام ، فلذا ورد في بيانات الوحي : « أَنَّ الملائكة ، منهم المُقَرَّبين ـ كـ : جبرئيل وإِسرافيل وميكائيل عليهم السلام ـ حينما ينزل وحي القرآن الكريم على سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يتعلَّمون منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ذلك القرآن المُنَزَّل » . (9) يَنْبَغِي الْاِلْتِفَات : أَنَّ (الفهم) : أَمرٌ غيبيٌّ ، صادرٌ من عوالم غيبيَّة صاعدة ، تتحكَّم فيها طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ، ومرتبتها فوق عَالَم الآخرة الأَبديَّة ، وهي فوق عَالَم السَّماوات السَّبع بعوالم ومراتب ، والكلُّ من عوالم الأَجسام . (10) يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات في المقام إِلى الأُمور الأَربعة التَّالية : الأَوَّل : أَنَّ المعرفة الإِلٰهيَّة ناموس مُقدَّس ، والسعي إِليها ناموس مُقَدَّس أَيضاً يقضُّ مضجع فِطَر المخلوقات . الثَّاني : أَنَّ أَعظم نِعَمِ اللّٰـه الواردة في بيان قوله تعالىٰ : [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا] [النحل : 18] النعم المعرفيَّة والمعنويَّة، وليست البدنيَّة . الثَّالث : أَنَّ أخطر قلعة يغير عليها العدو : قلعة الفكر والرؤية العقائديَّة ؛ فإِنَّ أَمكنه زحزحة المخلوق عن الورع في العقيدة فسوف يتنجَّس باطنه وظاهره بكُلِّ نجاسةٍ ورجاسةٍ . ثُمَّ إِنَّ أَطهر الطهارات في التَّعَقُّل . الرابع : أَنَّ التكليف في العوالم اللاَّحِقَة لا ينقطع ، بل يزداد ويشتدُّ ، وهو شَامِلٌ لكافَّة المخلوقات . (11) الحجرات : 6. (12) الزمر : 17 ـ 18. (13) غرر الحكم ، 1 : 394. ميزان الحكمة ، 6: 485. كنزل العمَّال /42218. (14) آل عمران : 7. (15) بحار الأَنوار، 2 : 148/ح22. (16) المصدر نفسه : 160/ح13. (17) المصدر نفسه /ح12. (18) المصدر نفسه : 161/ح21. (19) بحار الأَنوار، 2: 165/ح25. (20) المصدر نفسه : 184/ح4. (21) المصدر نفسه : 161/ح14. (22) المصدر نفسه : 184/ح5. (23) الحاقة : 12. (24) عيون أخبار الرضا عليه السلام ، 31 ــ باب : فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الأَخبار المجموعة/253/ح23. (25) بحار الأَنوار، 72: 104 /ح38. نهج البلاغة / ط عبده ، 2 : 155 و 168 و184 . (26)المصدر نفسه . (27)المصدر نفسه . (28) الكهف : 109. (29) لقمان : 27. (30) محمد : 24. (31) القمر : 32